فلسطين أون لاين

عدّت "الموت أهون من ترك القدس"

تقرير "حقيبة مدرسة وباب ثلاجة" سيرويان كفاح عائلة صالحية للتطهير العرقي

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة – غزة / فاطمة الزهراء العويني:

حقيبة مدرسية وباب ثلاجة حمل صور أطفال العائلة وبعض الأغراض فقط، هو كل ما استطاع النشطاء المقدسيون انتشاله من تحت أنقاض بيت عائلة صالحية الذي انقضّت عليه قوات كبيرة جنود الاحتلال قبل طلوع الشمس، فاعتقلت رجال العائلة وهدمت البيت على ما فيه.

كان على رأس المعتقلين رب المنزل محمود صالحية الذي رفع شعار "يا بنضل بدارنا.. يا بنطلع منها عالقبر"، رافضًا مبارحة منزله وتسليمه للاحتلال، ما جعل منزله مزارًا للنشطاء والمتضامنين من أهل القدس الذين يناضلون على جبهات متعددة.

منتصف هذا الأسبوع حاولت سلطات الاحتلال تنفيذ أمر الهدم وإخلاء العائلة التي تقيم على ستة دونمات تشمل مشتلًا زراعيًا، غير أن المتضامنين الذين أحاطوا بالمنزل من كل حدبٍ وصوب حالوا دون ذلك؛ ما أجبر آليات الدمار الإسرائيلية على التراجع مؤقتاً.

ولم يكن هذا التراجع بلا ثمن، إذ أبى الاحتلال إلا أن يُخلِّف وراءه خرابًا بتجريف المشتل الذي يعيل ست أسر فلسطينية.

ربع قرن من النضال

وفي أجواء شتوية شديدة البرودة غافل الاحتلال المتضامنين وعائلة صالحية، فجر 19 يناير، وطوق المنزل بآليات عسكرية مغلقًا كل الطرق المؤدية إليه قبل أن يعتقل جميع أفراد العائلة من الرجال، ويهدم منزلًا هو لأصحابه هوية وليس صندوق ذكريات وأحلام.

فالمقدسي محمود صالحية وأشقاؤه الأربعة في صراع مع بلدية الاحتلال وما يسمى "حارس أملاك الغائبين" بمحاكم الاحتلال منذ 24 عاما، لم تستطع خلال هذه السنوات مصادرة الأرض المطلة على حي الشيخ جراح ووادي الجوز المقدسييْن بأي شكل كان.

قبل ليلة من هدم المنزل وصف صالحية في حديثه لصحيفة "فلسطين"، ما يحدث مع العائلة بـ"خراب بيوت" (...) لم يستطيعوا انتزاع الأرض منا عبر القضاء لأن أوراقنا الثبوتية سليمة مئة بالمئة، فلجؤوا إلى أسلوب خبيث آخر، وهو إصدار أمر مصادرة للأرض تحت بند ما يسمى "المنفعة العامة"، مؤكدا أن هذ القرار جائر وبمنزلة جريمة حرب وتطهير عرقي.

وفي حين يتيح قانون "المنفعة العامة" الإسرائيلي مصادرة 40% فقط من الأرض لهذا الشأن، يؤكد صالحية أن مصادرة الأرض كاملة تم لأغراض تهويدية استيطانيًا وليست خدماتية.

ويتساءل بغضب: "أيكون بناء المرافق العامة على حساب تشريد المواطنين؟! كل ما يقولونه ادعاءات كاذبة فهذه الأرض هي العقبة الأخيرة أمامهم في مخططهم لمصادرة أراضي الشيخ جراح".

ويضيف: "عندما بينتُ لهم عدم قانونية مصادرة الأرض بأكملها، كان ردهم سنصادرها، ثم رفعوا علينا قضية تعويض في المحكمة".

وإذ تزعم بلدية الاحتلال عزمها إقامة مدارس للمقدسيين على الأرض، يكذب صالحية هذا الادعاء، "فهم منذ احتلالهم القدس لم يُقدِموا على بناء أي مصلحة للمقدسيين، بل يصادرون بيوتنا ويهدمونها".

مشهد لن يتكرر

وخلال فترة التقاضي الطويلة فإنّ الاحتلال حاول مراراً تقديم إغراءات للعائلة لترك أرضها، ببيعها لهم بمبالغ باهظة "وصلت لسبعة ملايين دولار" مع ضمان تسفيرهم لأي دولة أوروبية يرغبون بالعيش فيها، "لكن ما نريده نحن أن نعيش ونموت في القدس"، يقول الرجل، مؤكدًا أن الموت أهون على نفسه وعائلته من ترك أرضهم للاحتلال.

ويمضي إلى القول: "لن نعيد سيناريو النكبة، لم يلتئم في نفوسنا جرح مصادرة الاحتلال أراضي العائلة في بلدة عين كارم المقدسية التي بنى عليها مستشفى هداسا عين كارم الإسرائيلي، رغم مرور عدة عقود من الزمن على ذلك".

يتابع: "إذا كانوا قد استطاعوا غلبة أجدادنا البسطاء، فلن يغلبوننا لأننا نعي مخططاتهم وليس لنا شيء بعد الأرض نخسره.. الأرض تعادل الروح".

وصالحية الذي كان يتحدث بعد يوم عاصف في حي الشيخ جراح، شهد مواجهات عنيفة مع الاحتلال من قبل العائلة والمتضامنين معها على خلفية رفضها إخلاء أرضها، انتهت باعتقال الاحتلال لـ"13 شخصاً وانسحاب قوات الاحتلال من المنطقة بعد تدميرها لـ"المشتل" الذي يعتاشون منه، قال: "كل يوم في القدس نحن نموت ولا أحد يهتم بنا".

ويشير إلى أن التضامن الواسع النطاق معه ومع عائلته خاصة من النشطاء الذين أقاموا خيمة تضامن في محيط منزله، رفع معنوياته عالياً وأعطاه دفعة من القوة، مؤكداً أن مصادرة أي بيت مقدسي تعني أن البيوت الأخرى مهددة فعلياً بالمصادرة.

ويستطرد صالحية في حث أهل القدس على الوقوف بقوة أمام أي محاولة لمصادرة أي منزل مقدسي، "فالقدس تتهود شيئاً فشيئاً، يمارسون ضدنا كل أشكال القهر والظلم، فأرض عائلتي عليها حاليا 900 ألف شيقل مخالفات تعسفية، تنتظر السداد".

ويبين أن الاحتلال يريد من مصادرة الأرض الربط بين المستوطنة التي أقامها في قصر الحاج أمين الحسيني ومغارة يدعون زوراً أنها للنبي "شمعون" بينما هي في الحقيقة لعائلة حجازي المقدسية، وفي طريقهم يصادرون الشيخ جراح ووادي الجوز بعد أنْ صادروا أراضي كرم المفتي (30 دونماً) المجاورة لأرضي.